شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
من كتاب المواهب الجلية في المسائل الفقهية للشيخ عبد الرحمن السعدي
11890 مشاهدة
حكم تعدد الجوامع في البلدة الواحدة

...............................................................................


بعد ذلك توسعوا في تعدد الجوامع، واعتذروا بكثرة المصلين وازدحامهم، مع أنهم كانوا في عهد عمر -رضي الله عنه- يزدحمون، حتى أنه قال: إذا لم يستطع أحدكم أن يسجد، فليسجد على ظهر أخيه؛ يعني كانوا يتقاربون، ليس بين الصفين إلا قدر ذراع، فإذا سجد ما كان قدَّامه مكان يضع وجهه عليه، فقد يسجد على ظهر الذي قدامه، ويسجد الصف كلهم على ظهور الآخرين الذي قُدَّامهم لتقارب الصفوف وازدحامهم، ولم يُرخِّص لهم أن يصلوا في جوامع أخرى.
والحاصل أن هذا هو العذر؛ يعني هو السبب أن يجتمعوا كلهم ويتلاقوا ويتعارفوا ويتآلفوا؛ ولأجل ذلك في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أن المسجد كان صغيرا.
تعرفون الزيادات التي زيدت في عهد بني أمية، ثم الزيادات في عهد الترك، ثم الزيادة في عهد الملك سعود ثم الزيادة في هذا العهد في المسجد النبوي في العهد النبوي كان المسجد صغيرًا يمكن أن مساحته نحو عشرين في عشرين أو قريبا منها، ومع ذلك يتسع لهم، والذين يزيدون يصلون في أطراف المسجد، ويصلون في ما قرب منه.
والحاصل أن تعدد الجوامع ما حدث إلا في عهد قريب بعد أن اتسعت البلد، وبعد أن كثر السكان فقالوا: يُرخَّص في تعدد الجوامع.
الأمر على ما كان عليه إلى عهد قريب، أدركنا أهل القُرى؛ يعني القرى الصغيرة التي فيها بيتٌ أو بيتان أو بساتين يأتون إلى المسجد بعد صلاة الصبح؛ إذا صلى أحدهم تناول طعاما خفيفا أو أكلات خفيفة أو تمرات أو قهوة، ثم ركب حمارًا وتوجه إلى الجامع، فلا يصل إليه إلا بعد أربع ساعات أو ثلاث ساعات، وكثير منهم يأتون على أقدامهم وذلك لعدم الرخصة في تعدد الجوامع؛ ولأن الحكمة فيه أن يجتمع أهل البلد كلهم ويتعارفون ويتآلفون؛ هذا هو السبب في شرعية الجمعة.
زيادة على أنهم يتعلمون علمًا محددًا؛ فإن في الجمعة هذه الخطب التي يتعرض فيها الخطباء لشرح كثير من الأحكام، ولبيان الحلال والحرام، وكذلك أيضا يعظون الناس ويذكِّرونهم، وما أشبه ذلك، هذا هو الذي يستفيدونه.
زيادة على الأجر الذي يلحقهم مقابل تعبهم، فيقولون: هذا التعب الذي نتعبه؛ نغيب عن بلادنا ساعتين أو خمس ساعات أو ست ساعات، وكذلك نُتعِب أنفسنا نرجو بذلك الأجر، ونرجو أن تكتب خطواتنا.
فهذا هو الأصل، ولم يذكر أن أحدًا يتخلف إلا النساء والمرضى ونحوهم، وأما العبيد المملوكون فإنهم يأتون أيضا ولا يتخلفون، ويُقدِّمون حق الله تعالى الذي هو أداء هذه العبادة على حق سادتهم، وما ذاك إلا أن هذه هي العبادة التي خلقهم الله لها، والسيد لا يجوز له أن يمنع مماليكه وخدمه عن صلاة الجماعة، كما لا يمنعهم عن الصيام؛ وذلك لأن هذا حق الله، ولا يقول: إنه إذا صام يتعب ولا يؤدي حقي ولا يؤدي خدمتي، نقول: إن الصيام حق الله وفريضته، فهو مقدم على حقك وعلى حق كل مخلوق.